عيناه تقتله، الصداع يغتصب أفكاره؛ مشوشه، غامضة، صاخبة، أصوات عقله مزعجة، يجب أن يذهب إلى الفراش بعد هذا اليوم الشاق، لاسيما بأنه يوم مكرر، يوم كأن أحدًا سجله على شريط فيديو ووضعه فى جهاز العرض ليبدأ بالتكرار، وبذلك تتكون حياته .. شريط فيديو مكرر.
اليوم لا يختلف عن الأمس بالنسبة إلى ذلك الفتى الأسمر الذى يصارع ليبحث عن ذاته، يقاتل من أجل ذلك، يقاتل من أجل أن يعرف من هوا حقا ؟!
من هذا الشاب ؟! من هوا حقا .. متعالى يرى نفسه أفضل من غيره ؟! .. أم هوا ذلك الفتى الطيب الذى لا يثق بقدراته على الأطلاق ؟!
هل هوا المهندس -اللى أد الدنيا- الذى لطالما وصفته والدته بذلك أمام أقاربها وأصدقاها؟! .. هل هوا الكاتب الذى يشعر بأنفاسه عندما يمليه ما عليه كتابته ؟! .. هل هوا ذلك الفاشل الذى لا يصلح لشئ على الأطلاق؟! .. أم هو البطل الذى يصرخ فى نهاية الفيلم حاملًا كأس الانتصار تقف بين ذراعيه حبيبته؟! .. من هوا حقًا؟! .. أسئلة كل يوم .. أتعبته كالعادة .. أضاءت فى عقله فكرة الذهاب إلى الفراش ليقتل أفكاره .. ليصمت عقله !!
انهى تفقد حساب الفيس بوك الخاص به الذى امتد لآخر عشر ساعات فى يومه، لا يوجد جديد فى هذا العالم الروتينى المتوقع، أغلق الكمبيوتر، تفقد هاتفه، ليس هناك أى مكالمات فائتة أو رسائل غير مقرؤة كالعادة، بالتأكيد فهو لا يتوقع من أحد أن يطمئن عليه، ولماذا ؟! .. لماذا قد يفكر فيه أحد ؟! سؤال لم يفارق ذهنة ولو مرة ؟! .. سؤال آخر من صراع البحث عن الذات ؟!
المنزل كان كالكهف المظلم، سوى من نور شديد يخرج من غرفته، الجميع نائم كالعادة، فلا أحد يسهر لمثل هذا الوقت من الليل .. سواه .. يحب الانفراد بنفسه، بعقله، بأفكاره، بقلبه .. حتى إذا تشاجرا لم يتمكن أحد من إيقاف الشجار وحل الخلاف .. يعشق العنف!
فتح الثلاجة ليلقى عليها نظرة الوداع قبل فراق يطول لساعات .. طويلة، كثيرة، مظلمة، يشرب شرفة ماء وكأنه العهد على اللقاء مرة أخرى، الحضن الأخير لحبيبة تسافر لتدرس فى الخارج لتترك حبيبها وحيدا لسنوات .. لذا يعدها أنه لن يتركها أبدا .. لن ينساها .. أغلق مفتاح الاضاءة بعد أن عاد لغرفته ليقضى على ما تبقى من النور فى المنزل عدا إضاءة خافته تأتى من المنزل المقابل.
دفن جسده وسط السرير رغم أنه يعلم جيدا أن الموت االأصغر -النوم- بعيد .. ذلك الشجار سوف يتجدد .. لن يترك العقل الأفكار بدون عقاب !! .. حتى القلب لن يستطيع أن يتنازل عن حقه .. فكرامته فوق الجميع .. لن ينام بسهولة الليلة .. كالعادة !!
بعد صراع طويل .. لم يحصل العقل لاعتذار من الأفكار، لم يتصالح القلب مع التصرفات، لم يتغير شىء، لم يحصل على اجاباته، كل ما حدث أن النوم فاز بهذه الجولة فقط .. ولكن ما زالت المعركة طويلة!



















